--------------------------------------------------------------------------------
الحمار مخلوق غبي وبليد أو هكذا علمونا منذ الصغر!
لا أعلم السبب الذي جعل الحِمارْ هو الأكثر غباءً بين الحيوانات رغم أنها جميعها تتصف بعدم التمييز وغياب العقل ..!
رغم الصعوبات والمخاوف التي أخشى أن تواجهني إذ قد يتهمني البعض بـ(الحمرنة) إلاَّ أنني لم أكترث كثيراً وأنا أحاول التقرب أكثر لزمرة الحمير علني أفهم أسباب غبائها أو بمعنى آخر أسباب ذكاءنا الذي يجعلنا نحُط من قدر الحمير ونصفها بالغباء ، بل نرى أنهم أقل حظاً في التفكير من أقرانهم من الحيوانات الأخرى! عُدتُ للتاريخ فوجدت أنني لن أستطع العبور دون المرور على حمارين شهيرين أحدهما لا يختلف كثيرا عن بقية الحمير والأخر – من وجهة نظري – أختلف عن اقرانه. الأول هو حمار جحا الذي بنى شهرته على شهرة صاحبه (جحا) وبالتالي لم يكن له أي بصمة تجعله يختلف عن بقية الحمير في باقي أصقاع الأرض رغم أنه الأشهر بين الحمير ، أما الأخر فأشتهر بفعله لا بفعل صاحبه والدليل على ذلك أن صاحبه ما زال يقبع في غياهب المجهول ، وهو حمار الشيخ الذي تم ذكره في المثل المتداول "وقف حمار الشيخ في العقبة"!
من الجائز أن وقفة هذا الحمار هي وقفة عادية يقفها أي حمار عادي ، لكن ، ما أستوقفني هو لماذا أصبحت تلك الوقفة رمزاً تاريخياً نَصِفْ به كل من عجز عقله عن إدراك بديهيات! لو كان الأمر وقفة (حرنة) حمار لما أحتاج التاريخ أن يحمل هذه الوقفة عبر العصور لأجيالٍ وأجيال. لذا ، هذه الوقفة في نظري تختلف عن وقفة أي حمار عادي مما حدا بها أن تُحدث إعصارً داخل أوردة مخي وأروقة عقلي لمعرفة أسباب ذلك الوقوف الشهير! ما الذي حمل هذا الحِمارَ على العصيان والتمرد عن أداء واجبه الذي من أجله خُلقَ فأصبح بوقفته تلك يفوق أقرانه شهرةً؟ وهل كان هذا الوقوفُ مُتعمداً أم كان وقوفاً إرتجالياً ناتجاً عن وعورة العقبة؟ وهل يا تُرى أن حمار الشيخ قد أدرك – رغم غبائه - أن له حقاً مشروعاً في الوقوف وأن هذا الحق يكفل له أن يتوقف عن المسير متى وأينما أراد ، فأراد بوقوفه هذا أن يُثبت ان له حقاً ما؟
مهما كانت الإجابات على تلك الأسئلة ، فهذا الحمار قد خرج من دائرته المغلقة فأصبح بذلك ذو حِكْمَة تعدت عصره إلى عصورٍ أكثر حداثة. حكمة هذا الحمار في التوقف لم تتعدى فقط أقرانه من الحمير بل فاقت ذلك لتتحدى عقل الإنسان الذي - إلى يومنا هذا - لم يُدرك سبباً لوقوفه. لم نُدرك بعقولنا الجبارة الفائقة التعقيد والتي ميزَّنا بها الله عن بقية حمير الأرض أن وراء ذلك الوقوف حكمة ، فأخذنا الأمر على هوانه وأستنتجنا أن وقوفه لم يكُنْ سوى وقوفاً عادياً نتيجة إرهاقٍ أو وعورة طريق.
ما زلت أسير على نفس طريقي محاولاً إكتشاف السبب الحقيقي لهذا التوقف رغم أن كل الدلالات والمؤشرات تؤدي إلى أن وقوفه كان ناتجاً عن بلوغه الحد ، فبالرغم من طبيعة خلقه التي تقتضي عليه أن يتحمل من صنوف الأثقال ما شاء وما لم يشأ ، إلا أنه ضاق ذرعاً بثقل أقل وزناً من الأثقال التي يحملها –عادةً - على ظهره مسيرة أيامٍ وأيام ، فلم يعد قادراً على تحمل النظرة الضيقة له على أنه مجرد حمارٍ لا يفقه ولا يعي ، فأراد بذلك الوقوف أن يُعلن عن إحتجاجه ، وأن يُطالب من رماه بهذه التهمة أن يثبتها بالأدلة والبراهين. على كل حال ، وإلى أن أستطيع الإجابة عن ذلك السؤال لن أستكثر أن أشكرك أيها الحمار النبيل ، فلولا وقوفك هذا ما توقفت أنا لأتفكر ، رغم أن الله قد خصني بعقل عن سائر خلقه وأمرني أن أستخدمه في التفكير... ولكن!
إلى ذلك الحين الذي أستطع فيه أن أجد أجابات شافية على كل تلك التساؤلات ، دعني أعلن عن إعجابي بك وبخروجك غير المألوف عن دائرة العُرفْ والتقاليد حتى ولو كان وقوفك لغرض أن تستريح وتستعيد حسابات الطريق المجهول. فلقد وقفت وأصررت على الوقوف لأنك أردت ذلك لنفسك فضربت بذلك مثلاً حياً أنك تمتلك قرار إختياراتك وتعمل من أجلها .. وبالتأكيد ذلك أفضل من كثيرٍ ممن فضل الله عليك تفضيلا!
.
.
.
تمسكت بمبدئك رغم الجور والضرب والإهانة والعذاب والإيلام القاسي ولم يثنيك كل هذا عن المضي قدماً إلى حيث لا تريد فضربت بذلك أروع الأمثال ولم تخضع أو تطأطأ الرأس لا لسيدٍ أو لجلادٍٍ أو لصاحب قوةٍ ونفوذ فكنت بذلك أفضل من كثيرٍ منا!
.
.
لا لوم عليك فيما فعلت يا صاحب الكرامة والنفس الأبية، فأنت لم تُذنب ولم ترتكب جرماً حينما طالبت بحقك (الشرعي) في أن تعيش حماراً وتموت حماراً ولكن ... بكرامة!
.
.
لقد طالبت بما هو مشروعٌ لك فأجبرت التاريخ أن يحكي عن حمارٍ غبيٍ لا يفقه شيئاً قد ثار على ظلم (أصحاب العقول) !
.
.
أن حماراً لا يملك من العلم أو العبقرية ما يملكه نصف الكون قد رفض الظلم دون أن يخاف على نفسه من البطش!
.
.
.
هل يا ترى ما زلنا نحنُ بنو البشر نظن كل الظن ونوقن أنك مجرد حِمارٌ غبيٌ لا تفقه حتى فنون السير أو التوقف؟ أم أنك ترانا نحن الأغبياء؟